وصول النازية الى الحكم فى المانيا

لعل
اهم نتائج الازمة الاقتصادية على السياسة الدولية هو انها اسهمت فى تغير النظام
السياسى الالمانى بزعامة أدولف هتلر الى السلطة فى المانيا سنة

1933،و هو التطور الذى مثل بدوره نقلة نوعية جديدة فى
السياسة الدولية ،فقد كان اثر الازمة الاقتصادية على المانيا شديد الوطأة ،لان
المانيا عند نشوب الازمة الاقتصادية كانت ما تزال تعانى من اثار الدمار الاقتصادى
،الذى لحق بها اثناء الحرب ،و جاءت الازمة لتعصف بالاستقرار الالمانى النسبى ،و
تنتج ضغوطا اجتماعية أدت بالامان الى الانحياز للحركات النازية .فعندما جاءت
الازمة الاقتصادية اوقفت الولايات المتحدة تصدير رؤوس الاموال الىى المانيا ،و عمد
الرأسماليون الامريكيون الى سحب رؤوس اموالهم التى كانت موظفة فعليا فيها ،و هكذا
اصيب الاقتصاد الالمانى بكارثة كبرى خصوصا ،و ان المانيا لم تكن لها مستعمرات فى
الخارج كما كان فى بريطانيا و فرنسا .نتيجة للاثار الاجتماعية الهائلة التى انتجتها
الازمة كالبطالة و التضخم اتجه الالمان الى تحبيذ انتخاب حكومة قوية تحقق
الاستقرار الاقتصادى . و قد ايد الرأسماليون ،و كبار الملاك الزراعيون ،و الجيش و
الحركة النازية لأسباب مختلفة .فالرأسماليون و كبار الملاك وجدوا فى الحزب النازى
ملاذا لاخراج المانيا من ازمتها الاقتصادية ،كما ان الجيش وجد فى هذا الحزب ما
يقوى تطلعه الى استعادة المجد الالمانى خاصة ان فكر الحزب النازى ركز على استعادة
هذا المجد .و و لكن الطبقة العمالية ناهضت الحركة النازية نظرا لميولها التسلطية
المعادية للاشتراكية بيد ان الحركة
الالمانية كانت منقسمة

،و بالتالى لم تستطع
ان تؤثر على تطورات الاحداث فى المانيا .من جهة اخرى ،فان جمهورية فيمار التى شكلت
بموجب الدستور الالمانى الصادر فى يوليو سنة 1919 فشلت فى التعامل مع الازمة
الاقتصادية .و لما كانت حكومة فيمار برئاسة الحزب الاشتراكى الديمقراطى حكومة
منتخبه ديمقراطيا ،فان اشعب الالمانى ربط بين النظام الديمقراطى و بين العجز عن
مواجهة الازمة الالمانية ،و بدأ يتطلع الى حكومة تسلطية قوية تمكنه من التغلب على
الازمة .

و النازية هى
الايولوجية التى عبر عنها الحزب الاشتراكى الوكنى الالمانى ،الذى نشأ سنة 1919 و
قاده ادولف هتلر الى السلطة سنة 1933،مما ادى الى وضع الاسس التى ادت الى نشوب
الحرب العالمية الثانية سنة 1939 .فما هى الايولوجية المنازية ،و كيف استطاعت الى
اسلطة ؟يمكن القول ان جوهر الايولوجية النازية يدور حول مفهوم النهضة القومية
الالمانية ،و اعادة توحيد المانيا بضم كل الاجزاء التى سلبت منها بعد الحرب
العالمية الاولى او التى يعيش فيها الالمان ،و بناء ترتيبات امنية فى اوروبا تكفل
التفوق الالمانى .بعبارة اخرى ،فان جوهر النازية هو تأكيد عظمة الامة و الدولة
الالماينة ،و هذا يفسر عداء النازية لكل الحركات و الافكار ذات الولاءات العالمية
مثل الشيوعية الدولية ،و الكنيسة الكاثوليكية . و لتبرير ذلك ،لجات النازية الى
مفهوم عنصرى يدور حول فكرتى سيادة العنصر الآرى ماعداه ،و ضرورة تنقيته من الدخلاء
الذي سمح لهم من قبل بالاندماج فيه ،فقد اعتبرت النازية ان العنصر الآرى الذى
ينحدر منه الشعب الالمانى هو سيد العناصر البشرية ،و ان اى امتزاج بين هذا اشعب و
غيره من العناصر العرقية هو عمل مضاد للطبيعة و بالتالى لارادة الخالق . و الواقع
ان هذه الافكار العنصرية لم تكن جديدة .اذ سبق ان اتى عليها بعض المفكرين الالمان من امثال نيتشة و رزونبرج و لكن الجديد هو ان
النازية وظفت تلك الافكار لاعادة الثقة
للشعب الالمانى و رفع معنوياته و توحيده حو لعدو مشترك هو اليهود .فقد وصف هتلر
اليهود بأنهم ينتمون الى فئة الهدامين Destroyersلانهم يفتقدون صفة التضحية لاجل الامة و بالتالى فان
التخلص منهم هو واجب وطنى ،و قد استخدمت النازية هذا العداء لليهود كاستراتيجية
لمواجهة كل اعدائها باعتبارهم اما موالين او مخترقين من اليهود ،و لهذا فانه بعد
وصول النازية الى اسلطة اصدرت مجموعة قوانين لمنع الزواج بين اليهود و الالمان و
حظرت على اليهود التدريس فى المؤسسات التعليمية (10) .

من ناحية ثانية رفضت
النازية المفهومين الغلاربى و الماركسى للديمقراطية تأسيسا على انه من شأنهما
اضعاف الدولة ،وقدمت بدلا من ذلك نظرية الطبقة المختارة و بموجب تلك النظرية وضعت
النازية تخطيطا هرميا للمجتمع يبدا من الشعب الذى يتنازل عن حقوقه السياسية للطبقة
المختارة ،التى تضعها بدورها امانة فى يد
الزعيم (الفوهرر Fuhrer )و الزعيم هو هتلر ذاته
معصوم من الخطا لأنه دائما على حق ،و من ثم اصطبغت النازية بطابع شمولى اساسه
تركيزالسلطة فى يد الفوهرر الذى يقود الطبقة المختارة (الحزب) ،و لا يحق لافراد
الشعب مناقشته فيما يتخذ من قرارات نو هو ما عبر عنه هتلر ،ذاته بمفهوم تاميم
الجماهير . و لهذا فانه بمجرد وصوله الى اسلطة الغى هتلر اختصاصات البرلمان حيث
اصبح من حق مجلس الوزراء اصدار قوانين و عقد المعاهدات دون حاجة الى موافقة
البرلمان .

و
فى المجال الدولى طرحت النازية ثلاثل مبادىء هى تحطيم القيود التى فرضتها معاهدتى
فرساى و سان جيرمان ووحدة الالمان ،و المجال الحيوى Lebensraum (11) فقد

اعتبرت
النازية معاهدتى فرساى و سان جيرمى بمثابة اتفاقيتى اذعان تم فرضهما على المانيا ،و النمسا بالقوة
و يجب التخلص منهما ،و هذا هو ما حدث بعد وصول الحزب النازى الى السلطة ناما فيما
يتعلق بوحدة الالمان Pan Germanimus

فقد
نادت النازية بضرورة انضمام كل الاقاليم التى تعيش بها عناصر المانسية الى الدولة
الالمانية .و يعنى ذلك المطالبة بوحدة المانيا و النمسا ،و تنصيب المانيا وصية على
الاقليات الالمانية فى الدول التى توجد بها اقليات المانية كبيرة مثل
تشيكوسلوفاكيا ،و بولندا و سويسرا و غيرها .كذلك طالبت النازية طبقا لمبدا المجال
الحيوى ،بخلق علاقة صحيحة بين عدد السكان و مساحة الارض عن طريق التوصع فى
الاقاليم التى تحتاج اليها الدولة لمواجهة متطلبات النمو السكانى و توفير اغذاء اى
بعبارة اخرى حق الدولة الالمانية فى التوسع الاقليمى ، هذا المبدا لم يكن جديدا فى
الفكر الالمانى ،ولكن الجديد التى اتت به النازية هو المزج بين مفهومى التوسع
الاقليمى و العنصرية اى اضافة العنصرية الى نظرية التوسع حيث يصبح التوسع الاقليمى
محققا لاهداف العنصرية النازية .كذلك ركزت النازية على التوسع فى اوروبا بدلا من
قتناء امستعمراتى فى اسيا و افريقيا نفلماذا ننظر الى المستعمرات فى اسيا و
افريقيا ،و هناك فى اوروبا دول تزيد ارضها عن حاجة سكانها مثل روسيا ،اننا اذا فكرنا
فى الارض اللازمة لمجالنا الحيوى لا يمكن ان نفكر الا فى الاراضى الروسية و
الاراضى المتاخمة لنا (12) .

تكمن
عبقرية هتلر فى قدرته التى البست هذه الافكار ثوبا عاطفيا يؤثر على مجموع الشعب
،فقد كانت الدعاية هى اقوى سلاح فى نجاح الحركة النازية ،أمام السلاح الثانى فكان
هو التنظيم . فقد خلق الحزب النازى منظمات عديدة بقصد التغلغل داخل الاوساط
المختلفة . ومثال ذلك الاتحادات العديدة التى كونها الحزب النازى ،مثل اتحاد
الطلاب القوميين الاشتراكيين ،و اتحاد الاطباء ،و اتحاد استذى التعليم اثانوى .الخ
و اخيرا ،لجأ الحزب النازى الى استخدام وسائل العنف للقضاء على منظمات خصومه و
ارهاب اعضائها ،و اجتذاب الانصار .

و
قد اتضح ذلك فى انتخابات البرلمانيى التى جرت سنة 1930 حيث حصل الحزب النازى على
107 مقعا فى البرلمان (الرايشستاخ )تمثل ربع مقاعد البرلمان ،و على اثر ذلك انتقل
هتلر الى برلين حيث بدا ممارسة نشاطه حزعيم للحزب النازى نو عندما فشلت الحكومة
بروننج فى حل الازمة الاقتصادية سحب الرئيس الالمانى المارشال بول فون هندنبورج Paul von Hindenburg

ثانى
رئيس لجمهورية فيمار ،و قد انتخب سنة 1925 ثقته من الوزارة ،و كلف فون بابن Von Papen

بتشكيل
الوزارة الجديدة فى يونيو عام 1932 . و كان فوزن بابن يمثل مصالح كبار الراسماليين
و الاقطاعيين الذين ينتمون الى حزب القوميين

» الحكم ع المتهمين بتفجيرات مدريد